سورة الأنعام - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله تعالى: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون}.
في سبب نزولها أربعة أقوال.
أحدها: أن رجلا من قريش يقال له: الحارث بن عامر، قال: والله يا محمد ما كذبتنا قط فنتَّهِمَك اليوم، ولكنا إن نتَّبعْك نُتَخَطَّفْ من أرضنا، فنزلت هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل: كان الحارث بن عامر يكذِّب النبي في العلانية، فاذا خلا مع أهل بيته، قال: ما محمد من أهل الكذب، فنزلت فيه هذه الآية.
والثاني: أن المشركين كانوا إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا فيما بينهم: إنه لَنبي، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح.
والثالث: أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نُكذب الذي جئت به، فنزلت هذه الآية، قاله ناجية بن كعب.
وقال أبو يزيد المدني: لقي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل فصافحه أبو جهل، فقيل له: أتصافح هذا الصابئ؟ فقال: والله إني لأعلم أنه نبي، ولكن متى كنا تبعاً لبني عبد مناف؟ فأنزل الله هذه الآية.
والرابع: أن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل، فقال الأخنس: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فليس هاهنا من يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء، والسقاية، والحجابة، والنُّبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت هذه الآية، قاله السدي. فأما الذي يقولون، فهو التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، والكفر بالله. وفي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهون به.
قوله تعالى: {فانهم لا يكذبونك} قرأ نافع، والكسائي، {يُكْذِبُونَك} بالتخفيف وتسكين الكاف. وفي معناها قولان:
أحدهما: لا يُلْفُونَك كاذباً، قاله ابن قتيبة.
والثاني: لا يكذِّبون الشيء الذي جئت به، إنما يجحدون آياتِ الله، ويتعرَّضون لعقوباته. قال ابن الأنباري: وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة بأن العرب تقول: كذبْتُ الرجل إذا نسبْتَه إلى الكذب وصنعة الأباطيل من القول؛ وأكذبتُه: إذا أخبرتَ أن الذي يحدث به كذب، ليس هو الصانع له. قال: وقال غير الكسائي: يقال: أكذبتُ الرجل: إذا أدخلتَه في جملة الكذابين، ونسبتَه إلى صفتهم، كما يقال: أبخلتُ الرجل: إذا نسبتَه إلى البخل، وأجبنتُه: إذا وجدتَه جبانا، قال الشاعر:
فَطَائِفَةٌ قَدْ أكْفَرُونِي بِحُبِّكُمْ *** وَطَائِفَةٌ قالوا مُسِيءٌ وَمُذْنِبُ
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، وابن عامر: {يكَذِّبونك} بالتشديد وفتح الكاف؛ وفي معناها خمسة أقوال.
أحدها: لا يكذِّبونك بحجة، وإنما هو تكذيب عِناد وبَهْتٍ، قاله قتادة، والسدي.
والثاني: لا يقولون لك: إنك كاذب، لعلمهم بصدقك، ولكن يكذِّبون ما جئت به، قاله ناجية بن كعب.
والثالث: لا يكذِّبونك في السر، ولكن يكذِّبونك في العلانية، عداوةً لك، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والرابع: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم: كذبت.
والخامس: لا يكذِّبونك بقلوبهم، لأنهم يعلمون أنك صادق، ذكر القولين الزجاج.
وقال أبو علي: يجوز أن يكون معنى القراءتين واحداً وإن اختلفت اللفظتان، إلا أن فعّلتُ: إذا أرادوا أن ينسبوه إلى أمر أكثر من أفعلتُ. ويؤكد أنَّ القراءتين بمعنىً، ما حكاه سيبويه. أنهم قالوا: قلَّلتُ، وأقللت، وكثَّرتُ، وأكثرت، بمعنىً.
قال أبو علي: ومعنى {لا يكذِّبونك}، لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرتَ به مما جاء في كتبهم، ويجوز أن يكون معنى الحقيقة: لا يصادفونك كاذباً، كما يقال: أحمدتُ الرجل: إذا أصبتَه محموداً، لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة، {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} بألسنتهم ما يعلمونه يقيناً، لعنادهم.
وفي {بآيات الله} هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها محمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
والثاني: محمد والقرآن، قاله ابن السائب.
والثالث: القرآن، قاله مقاتل.


قوله تعالى: {ولقد كُذبت رسل من قبلك} هذه تعزية له على ما يلقى منهم. قال ابن عباس: {فصبروا على ما كُذِّبِوا} رجاء ثوابي، {وأُوذوا} حتى نُشروا بالمناشير وحُرقوا بالنار {حتى أتاهم نصرنا} بتعذيب من كذبهم.
قوله تعالى: {ولا مبدل لكلمات الله} فيه خمسة أقوال.
أحدها: لا خُلْفَ لمواعيده، قاله ابن عباس.
والثاني: لا مبدِّل لما أخبر به وما أمر به، قاله الزجاج.
والثالث: لا مبدل لحكوماته، وأقضيته النافذة في عباده، فعبَّرت الكلمات عن هذا المعنى، كقوله: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} [الزمر: 71] أي: وجب ما قضي عليهم. فعلى هذا القول، والذي قبله، يكون المعنى: لا مبدل لحكم كلمات الله، ولا ناقض لما حكم به، وقد حكم بنصر أنبيائه بقوله: {لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة: 21].
والرابع: أن معنى الكلام معنى النهي، وإن كان ظاهره الإخبار، فالمعنى: لا يُبدِّلَن أحد كلمات الله، فهو كقوله: {لا ريب فيه} [البقرة: 2].
والخامس: أن المعنى: لا يقدر أحد على تبديل كلام الله، وإن زخرف واجتهد، لأن الله تعالى صانه برصين اللفظ، وقويم الحكم، أن يختلط بألفاظ أهل الزيغ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباري.
قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبأِ المرسلين} أي: فيما صبروا عليه من الأذى فنُصروا. وقيل: إن {مِن}: صلة.


قوله تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم} سبب نزولها: أن الحارث ابن عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فقال: يا محمد، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات، فإن فعلت آمنا بك، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. و{كبر}: بمعنى عظم. وفي إعراضهم قولان:
أحدهما: عن استماع القرآن. والثاني: عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما النفق، فقال ابن قتيبة: النفق في الأرض: المدخل، وهو السَّرب. والسُّلَّم في السماء: المصعد. وقال الزجاج: النفق: الطريق النافذ في الأرض. والنافقاء، ممدود أحد جحِرة اليربوع يَخرِقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض، فاذا بلغ الجلدة أرقَّها، حتى إنْ رابه ريب، دفع برأسه ذلك المكان وخرج، ومنه سمي المنافق، لأنه أبطن غير ما أظهر، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين، وباطنه حفر في الأرض.
والسلّم مشتق من السلامة، وهو الشيء الذي يسلّمك إلى مصعدك. والمعنى: فان استطعت هذا فافعل، وحذف فافعل، لأن في الكلام دليلا عليه.
وقال أبو عبيدة: السلّم: السبب والمرقاة، تقول: اتخذتني سُلَّماً لحاجتك، أي: سبباً.
وفي قوله: {فتأتيهم بآية} قولان:
أحدهما: بآية قد سألوك إياها، وذلك أنهم سألوا نزول ملك، ومثل آيات الأنبياء، كعصا موسى، وناقة صالح.
والثاني: بآية هي أفضل من آيتك.
قوله تعالى: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لو شاء أن يطبعهم على الهدى لطبعهم.
والثاني: لو شاء لأنزل ملائكة تضطرُّهم إلى الإيمان، ذكرهما الزجاج.
والثالث: لو شاء لآمنوا كلهم، فأخبر إنما تركوا الإيمان بمشيئته، ونافذ قضائه.
قوله تعالى: {فلا تكونن من الجاهلين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لا تجهل أنه لو شاء لجمعهم على الهدى.
والثاني: لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم، ويكفر بعضهم.
والثالث: لا تكونن ممن لا صبر له، لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13